الخميس، 29 نوفمبر 2012

مِن ثُقْبِ البَابْ ...




لا تسألني عن السبب ، فقط أريد ان أكتب ، أن أبدع شيئا ، أن ألهم حجرا ، طيرا ، أو حتى بشرا .. أريد أن أبكي دون أن تسأل دموعي لماذا ، بدون مبررات .. بدون دوافع .. هكذا فقط ..
هنالك غرفة في داخلنا لا نحب دخولها ، نوصد بابها جيدا بكل ما أوتينا من قوة . تفوح رائحة الخشب ، الطوب ، الغبار ، و الصورة العقيمة ، وشيء من حائط عتيق ..
هذا المكان يبدو موحشا .. ولكنه يخفي حقيقة ما ، لذلك لا أحب زيارته دائما في داخلي ، أحب أن أجلس على الأريكة التي أوصدت بها الباب جيدا .. أسترق السمع لما يحدث من حديث في الصمت خلف الأبواب ..
أنفخ شيئا من الغبار عن الأرجاء ، أشعر بالوحدة ، بالبرد ، أحتضنني كي استمر هناك أطول .. فانا لا أحب مفارقة هذا المكان .
يا ترى .. ماذا خبأتُ خلف الباب ؟ ربما هي الألوان التي أفتقدها الآن و أنا أجلس بالأبيض و الأسود ، ربما خفت أن لا تعجبني الإضاءة ، ملامح العزلة الحقيقية ، كمية الغبار ، السرير المتهالك الذي أظنه موجودا بالداخل ... ماذا يوجد بالداخل أصلا ؟ أريد أن أعرف ، ولكنني أريد امتلاك حق التراجع عن المعرفة إن لم يعجبني ما سأراه .. و هذا عالم ليس به خيال كهذا ، لا يسمح لي بأن أقرر حقي ، لا يسمح لي سوى بالتجربة ، و تحمل نتائج أفعالي .
لا يمكن أن أنظر من ثقب الباب لأرى أفعى أرجوانية على كأس الماء بأجنحة صغيرة كأجنحة الفراشات التي انبثقت توا من شرنقاتها ..  تحاول جاهدة بآلاف الأجنحة الصغيرة أن ترفرف خارجا عن كأس الماء .. بينما كان الماء ينقص شيئا فشيئا لأن الكأس به صدع عتيق .. يوشك أن يتحطم كقطع الزجاج ، و يوشك أن يقتل الأفعى ..
كيف لي أن أنسى ؟ لا يمكنني .
كيف انسى سعيها الحثيث على التحليق بشيء لا يجدي ، كيف أنسى جمالها و هي تحاول بالرغم من كل شيء ؟ كيف أنسى غدر المكان .. ضيق المساحات واتساع أفقها .. رائحة الموت المتقدمة نحوها .. لا أستطيع أن أغمض عيناي بكل بساطة .. و ادعي أنني لم أر شيئا ..
 ليس لدي الحق باسترجاع معرفة كهذه نلتها مسبقا ..
قد أبيع نفسي و روحي لأنسى .. وحين أنسى أكون لا شيء .. ولا أكون يوما كما أنا .. فكيف أعيش في عالم لا أوجد فيه .
إن أطَلْتُ النظر ، لربما رأَيْتُ الديدان على الأرض .. و التي كانت تحاول جاهدة الوصول إلى الأفعى .. كانت تتسلق أرجل الطاولة الخشبية ببطئ ثم تقع .. فيلتهم بعضها بعضا .. ثم يجدون انفسهم يلتهمون قاعدة الطاولة .
أيتها الأفعى .. لا أجنحة الفراشات ، ولا الكأس ، ولا الديدان ، ولا حتى طاولة خشبية تتهاوى .. لا شيء يعلم أنكِ ألهمتِ بصيرتي قبل ان يسقط كل شيء و يتهاوى ..
هي لحظة .. و ينتهي كل شيء .. تموت الأفعى من شظايا الزجاج ، تتحطم الطاولة .. و تقبع الديدان تحت الأنقاض .. و يحلق الغبار ليكسو الاجواء ، ولكنه أيضا لا ينتصر .. بل ينتصر الموت .
هي لحظة .. و يبتدي كل شيء .. تحيا أحلامي ، آفاقي ، أبصر الأمل .. تخلد فيني ذكراك محلقة  .. و تخلد فيني لحظة الموت .. لأكون أقوى منها حين أواجهها ..
هي لحظة .. و تنتصر ذكراك على كل شيئ .
فهل أندم على ثقب الباب ؟ وهل سانسى المأساة .. أم أنها سَتُكوِّنُنِي من جديد .. لا أريد أن أفقد معرفة حقيقية .
يوما ما .. ساكسر الباب .. لأنظر جيدا بعين الحقيقة . يوما ما لن أخشى شيئا ، لن أندم على ما سأراه ، لكنني سادعو الله مليا أن أرى جنة هناك ..
لا يهم كم مؤلم تحطيم الباب .. ما يؤلم أكثر .. هو أن أبقى مختبئة للأبد من الحجرة الغامضة بداخلي .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق