الجمعة، 18 مايو 2012

لو أننا كنا بيوتا


البيت ، هناك تعود لتسترخي بعد يوم طويل ، تجلس على كرسيك الهزاز آخر النهار .. تطالع من النافذة زهرة الياسمين و آخر لحظات الشمس قبل الغروب . تخرج تنهيدة من تعب النهار ، ثم تلمس الطاولة الخشبية الصغيرة بجانبك باحثا عن فنجان قهوتك . ترتشف للحظات ، ثم تعود لتبحث فيها عن صورة الأحبة ... كم تشتاق إليهم أنت ! ينبض قلبك بدقات كالموسيقى لروعة الذكريات حينها ، ثم يهدأ ليسترخي مع كل اهتزازة يصدرها كرسيك ... أو بالأحرى كرسي جدتك الراحلة .

من هنا تطالع جدولا من الماء في باحة فنائك ، بجانبه تمكث العصافير حيث نثرت لها الحب في آخر مرة ، تلك العصافير لا تعلم أنك نثرت الحب بحثا عن تغريدة فيك تمنحك صفاء نهاية النهار . لا تحزن على من رحل عنك ، فهم حولك كهذه العصافير ، يحلقون  و يغردون شيئا من الألحان السماوية و يطوفون حولك .

قطة ابنتك الصغيرة حمراء الوجنتان تجوب أرجاء بيتك الخاوي ، ربما مرت بمزهرية عتيقة فكسرتها ، أو عادت تجوب غرفة صاحبتها تبحث عن أثر لها ، تقفز على سريرها تارة ، تخربش شيئا من خشب السندان العتيق ، ليعيد إليك كل خدش صغير رائحة صغيرتك .
كم تحب القطة المشاكسة !
هناك على الزاوية تحفة محبوبتك ، لمساتها تملأ أرجاء المنزل ! كم عاتبتك حين أسات اختيار الألوان ... تبتسم خلسة وحيدا حين تتذكر لمساتها الجنونية في الأرجاء ! فمن يخلط الاوان مثلها ! ألوان الفرح و البهجة ، وشيء من الإلهام معها . زوجتك لم ترحل ... ربما هي ذلك البلبل على الشجرة . ألا تراه يتأملك كل صباح بشغف ، يغرد لك .. ثم يحلق .

كل هذا من كرسيك الهزاز صديقي ! اخرج قليلا وسر بين أشجارك قليلا ... لا ... ابق حيث انت ! أخاف أن تذكرك نسمة ما بين الأوراق الخضراء يوما أخضر آخر ، أخاف أن يختبئ السنجاب عند رؤيتك تخرج كما كان يفعل الأحبة مازحين .. عد إلى منزلك و أوقف سيل الذكريات هذا ... فأنت تعلم مثلي انه لا جمادات في القلب ، تعلم ان الحائط يتذكرك في كل طرقة عليه و أن بيتك ذكرى أنت أسيرها .

لو أننا نحتفظ بمن نحب كما نحتفظ ببيوتنا لقرون ... لو أنهم لا يرحلون ، لو أن الجمال يبقى فيهم كما عهدناه ، لو اننا لا نتغير عنهم .. ولا يتغيرون عنا .

لو اننا كنا بيوتا ...



photo By 
http://crafaldar.deviantart.com/art/No-more-reading-275327404 

الخميس، 17 مايو 2012

دنيا هي نحن



ذلك متيم ... وذاك صاحب وعد أثقله ، آخر يجوب في الدنيا يبحث عن نفسه ، ينتقل من واد غلى آخر في قلبه . تلك تجوب براري السماء بفكرها ، صديقتها تطارد الأرواح الراحلة عنها ، و قليلا تعود لطورها فتبتسم .


دنيا تأذخنا لمراسي ما ظنناها  مراسي ... سفوح الجبال مرسى سفن التائهين في انفسهم .. كي ينظروا من الاعلى إلى شيء قد يذكرهم طريق بيتوتهم .. أوطانهم الصغيرة . وفوق السحاب مرسى سفينة من أثقلته خطاياه ... هناك يلقي بحمله ، يغتسل في نهر ما من السماء ، كي يعود لا كما كان من قبل .

 
الهوى مرساه سفينة تبحث عن مرسى ...  ومن اكون ؟ غير مرسى ينتظر سفينته المحملة الوصول ... او سفينة .. بلا علم ولا أشرعة ، فالترسوا أينما كان السلام لها .


دنيا تاخذنا من انفسنا ، تحت الف قناع و قناع لا تختبئ الحقيقة ، فهناك منافذ عميقة لها ... عينان  كالبحر ربما مظلمتان او ذاخرتان بأسرار لا أعلمها . يا عالم كم تخفي بعد في حدودك اللامنتهية ؟


دنيا تأخذنا في حكاية ، ملونة صفحات خيالها ، حتى أصبحت أساطيرها  تروي أساطير عن حكايا خرافية أخرى  ... حكاية لا تنتهي بموت بطلها ولا تعرف للدماء لونا ... ألم و نزاع ، ومأساة تخلف سلاما للكون ... حكايا لا تنتهي الدنيا من روايتها أبدا .

 
أمي وضعتني في فراشي ... قبل ان تروي لي قصة ما قاطعتها بسؤالي عن أبي ... أين ذهب ؟ و اين حكاياه ؟ دمعتها روت لي قصة  مئة عام من الصراع ... صمتها كان صوتا جللا في قلبي  كان الاسطورة التي صدقتها .


دنيا تأخذنا من الطفولة ... هكذا تصفها بعض البراءة .


دنيا هي تلك التي نملك لنحيا ... دنيا هي السعادة .. دنيا هي نحن .